فصل: باب الخوف من الشرك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد (نسخة منقحة)



.باب الخوف من الشرك:

وقول الله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 116].
* مناسبة الباب للبابين قبله:
في الباب الأول ذكر المؤلف رحمه الله تحقيق التوحيد، وفى الباب الثاني ذكر أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وثلث بهذا الباب رحمه الله تعالى، لأن الإنسان يرى أنه قد حقق التوحيد وهو لم يحققه، ولهذا قال بعض… السلف: (ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص)، وذلك أن النفس متعلقة بالدنيا تريد حظوظها من مال أو جاه أو رئاسة، وقد تريد بعمل الآخرة الدنيا، وهذا نقص في الإخلاص، وقل من يكون غرضه الآخر في كل عمله، ولهذا أعقب المؤلف رحمه الله ما سبق من البابين بهذا الباب، وهو الخوف من الشرك، وذكر فيه آيتين:
الأولى قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}.
{لا}: نافية، {أن يشرك به}: فعل مضارع مقرون بأن المصدرية، فيحول إلى مصدر تقديره: أن الله لا يغفر الإشراك به، أو لا يغفر إشراكًا به، فالشرك لا يغفره الله أبدًا، لأنه جناية على حق الله الخاص، وهو التوحيد.
أما المعاصي، كالزنى والسرقة، فقد يكون للإنسان فيها حظ نفس بما نال من شهوة، أما الشرك، فهو اعتداء على حق الله تعالى، وليس للإنسان فيه حظ نفس، وليس شهوة يريد الإنسان أن ينال مراده، ولكنه ظلم، ولهذا قال الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13].
وهل المراد بالشرك هنا الأكبر، أم مطلق الشرك؟
قال بعض العلماء: إنه مطلق يشمل كل شرك لو أصغر، كالحلف بغير الله، فإن الله لا يغفره، أما بالنسبة لكبائر الذنوب، كالسرقة والخمر، فإنها تحت المشيئة، فقد يغفرها الله، وشيخ الإسلام ابن تيمية المحقق في هذه المسائل اختلف كلامه في هذه المسألة، فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال: الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر، وعلى كل حال فيجب الحذر من الشرك مطلقًا، لأن العموم يحتمل أن يكون داخلًا فيه الأصغر، لأن قوله: {أن يشرك به} أن وما بعدها في تأويل مصدر، تقديره: إشراكًا به، فهو نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم.
قوله: {ويغفر ما دون ذلك}، المراد بالدون هنا: ما هو أقل من الشرك، وليس ما سوى الشرك.
وقال الخليل عليه السلام: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} [إبراهيم: 35].
الآية الثانية: قوله: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}.
قيل: المراد ببنيه: بنوه لصلبه، ولا نعلم له من صلبه سوى إسماعيل وإسحاق، وقيل: المراد ذريته وما توالد من صلبه، وهو الأرجح، وذلك للآيات التي دلت على دعوته للناس من ذريته، ولكن كان من حكمة الله أن لا تجاب دعوته في بعضهم، كما أن الرسول دعا أن لا يجعل بأس أمته بينهم فلم يجب الله دعاه.
وأيضًا يمنع من الأول أن الآية بصيغة الجمع، وليس لإبراهيم من الأبناء سوى إسحاق وإسماعيل.
ومعنى: {اجنبني}، أي: اجعلني في جانب والأصنام في جانب، وهذا أبلغ مما لو قال: امنعني وبني من عبادة الأصنام، لأنه إذا كان في جانب عنها كان أبعد.
فإبراهيم عليه السلام يخاف الشرك على نفسه، وهو خليل الرحمن وإمام الحنفاء، فما بالك بنا نحن إذن؟.
فلا تأمن الشرك، ولا تأمن النفاق، إذ لا يأمن النفاق إلا منافق، ولا يخاف النفاق إلا مؤمن، ولهذا قال ابن أبي مليكة: (أدركت ثلاثين من أصحاب النبي، كلهم يخاف النفاق على نفسه).
وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه خاف على نفسه النفاق، فقال لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي أسر إليه النبي بأسماء أناس من المنافقين، فقال له عمر رضي الله عنه: «أنشدك الله، هل سماني لك رسول الله مع من سمى من المنافقين؟. فقال حذيفة رضي الله عنه: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا»، أراد عمر بذلك زيادة الطمأنينة، وإلا، فقد شهد له النبي بالجنة.
ولا يقال: إن عمر رضي الله عن أراد حث الناس على الخوف من النفاق ولم يخفه على نفسه، لأن ذلك خلاف ظاهر اللفظ، والأصل حمل اللفظ على ظاهره، ومثل هذا القول يقوله بعض العلماء فيما يضيفه النبي إلى نفسه في بعض الأشياء، يقولون: هذا قصد به التعليم، وقصد به أن يبين لغيره، كما قيل، إن الرسول لم يقل: رب اغفر لي لأن ليس له ذنباَ ولكن لأجل أن يعلم الناس الاستغفار، وهذا خلاف الأصل وقول بعضهم: إنه جهر بالذكر عقب الفريضة ليعلم الناس الذكر، لا لأن الجهر بذلك من السنة ونحو ذلك.
قوله: {أن نعبد الأصنام}. أن والفعل بعدها في تأويل مصدر: مفعول ثان لقوله: اجنبني.
والأصنام: جمع صنم، وهو ما جعل على صورة إنسان أو غيره يعبد من دون الله.
أما الوثن، فهو ما عبد من دون الله على أي وجه كان، وفي الحديث: «لا تجعل قبري وثنًا يعبد»، فالوثن أعم من الصنم.
ولا شك أن إبراهيم سأل ربه الثبات على التوحيد، لأنه إذا جنبه عبادة الأصنام صار باقيًا على التوحيد.
* الشاهد من هذه الآية:
أن إبراهيم خاف الشرك، وهو إمام الحنفاء، وهو سيدهم ما عدا رسول الله.
وفي الحديث: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر». فسئل عنه فقال: «الرياء».
قوله: (وفي الحديث). الحديث: ما أضيف إلى الرسول، والخبر: ما أضيف إليه والى غيره، والأثر: ما أضيف إلى غير الرسول، أي: إلى الصحابي فمن بعده، إلا إذا قيد فقيل: وفي الأثر عن رسول الله، فيكون على ما قيد به.
قوله: «أخوف ما أخاف عليكم». الخطاب للمسلمين، إذ المسلم هو الذي يخاف عليه الشرك الأصغر، وليس لجميع الناس.
قوله: «الرياء»، مشتق من الرؤية مصدر راءى يرائي، والمصدر رياء، كقاتل يقاتل قتالًا.
والرياء: أن يعبد الله ليراه الناس فيمدحوه على كونه عابدًا، وليس يريد أن تكون العبادة للناس، لأنه لو أراد ذلك، لكان شركًا أكبر، والظاهر أن هذا على سبيل التمثيل، وإلا، فقد يكون رياء، وقد يكون سماعًا، أي يقصد بعبادته أن يسمعه الناس فيثنوا عليه، فهذا داخل في الرياء، فالتعبير بالرياء من باب التعبير بالأغلب.
أما إن أراد بعبادته أن يقتدي الناس به فيها، فليس هذا رياء، بل هذا من الدعوة إلى الله- عز وجل-، والرسول يقول: «فعلت هذا لتأتموا بي وتعلموا صلاتي».
والرياء ينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين:
الأول: أن يكون في أصل العبادة، أي ما قام يتعبد إلا للرياء، فهذا عمله باطل مردود عليه لحديث أبي هريرة في (الصحيح) مرفوعًا، قال الله تعال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه».
الثاني: أن يكون الرياء طارئًا على العبادة، أي أن أصل العبادة لله، لكن طرأ عليها الرياء، فهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يدافعه، فهذا لا يضره.
مثاله: رجل صلى ركعة، ثم جاء أناس في الركعة الثانية، فحصل في قلبه شيء بأن أطال الركوع أو السجود أو تباكى وما أشبه ذلك، فإن دافعه، فإنه لا يضره لأنه قام بالجهاد.
القسم الثاني: أن استرسل معه، فكل عمل ينشأ عن الرياء فهو باطل، كما لو أطال القيام، أو الركوع، أو السجود، أو تباكى، فهذا كل عمله حابط، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا؟
نقول: لا يخلو هذا من حالين:
الحال الأولى: أن يكون آخر العبادة مبينًا على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها، فهذه كلها فاسدة.
وذلك مثل الصلاة، فالصلاة مثلًا لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، وحينئذ تبطل الصلاة كلها إذا طرأ الرياء في أثنائها ولم يدافعه.
الحال الثانية: أن يكون أول العبادة منفصلًا عن آخرها، بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء، فهو صحيح، وما كان بعده، فهو باطل.
مثال ذلك: رجل عنده مئة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة، لأن آخرها منفك عن أولها.
فإن قيل: لو حدث الرياء في أثناء الوضوء، هل يلحق بالصلاة فيبطل كله، أو بالصدقة فيبطل ما حصل فيه الرياء فقط.
فالجواب: يحتمل هذا وهذا، فيلحق بالصلاة لأن الوضوء عبادة واحدة ينبني بعضها على بعض، ليس تطهير كل عضو عبادة مستقلة، ويلحق بالصدقة لأنه ليس كالصلاة من كل وجه ولا الصدقة من كل وجه، لأننا إذا قلنا ببطلان ما حصل فيه الرياء، فأعاد تطهيره وحد لم يضر، لأن تكرر غسل الوضوء لا يبطل الوضوء ولو كان عمدًا بخلاف الصلاة. فإنه إذا كرر جزءًا منها كركوع أو سجود لغير سبب شرعي، بطلت صلاته، فلو أنه بعد أن غسل يديه رجع وغسل وجهه، لم يبطل وضوؤه، ولو أنه بعد أن سجد رجع وركع، لبطلت صلاته، والترتيب موجود في هذا وهذا، لكن الزيادة في الصلاة تبطلها، والزيادة في الوضوء لا تبطله، والرجوع مثلًا إلى الأعضاء الأولى لا يبطله أيضًا، وإن كان الرجوع في الحقيقة لا يعتبر وضوءًا لأنه غير شرعي، وربما يكون في الأولى غسل وجهه على أنه واحدة، ثم غسل يديه، ثم قال: الأحسن أن أكمل الثلاث في الوجه أفضل، فغسل وجهه مرتين، وهو سيرتب أي سيغسل وجهه ثم يديه، فوضؤه صحيح.
ولو ترك التسبيح ثلاث مرات في الركوع، وبعدما سجد قال: فوت على نفس فضيلة، سأرجع لأجل أن أسبح ثلاث مرات، فتبطل صلاته، فالمهم أن هناك فرقًا بين الوضوء والصلاة، ومن أجل هذا الفرق لا أبت فيها الآن حتى أراجع وأتأمل إن شاء الله تعالى.
وعن أبي مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا، دخل النار». رواه البخاري.
قوله: (من). هذه شرطية تفيد العموم للذكر والأنثى.
قوله: (يدعو من دون الله ندًّا)، أي: يتخذ لله ندًّا سواء دعاء عبادة أم دعاء مسألة، لأن الدعاء ينقسم إلى قسمين:
الأول: دعاء عبادة، مثاله: الصوم، والصلاة، وغير ذلك من العبادات، فإذا صلى الإنسان أو صام، فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له، وأن يجيره من عذابه، وأن يعطيه من نواله، وهذا في أصل الصلاة، كما أنها تتضمن الدعاء بلسان المقال.
ويدل لهذا القسم قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي} [غافر: 60]، فجعل الدعاء عبادة، وهذا القسم كله شرك، فمن صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله، فقد كفر كفرًا مخرجًا له عن الملة، فلو ركع لإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود، لكان مشركًا، ولهذا منع النبي من الانحناء عن الملاقاة لما سئل عن الرجل يلقى أخاه أن يحني له؟ قال: «لا».
خلافًا لما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك، فيجب على كل مؤمن بالله أن ينكره، لأنه عظمك على حساب دينه.
الثاني: دعاء المسألة، فهذا ليس كله شركًا، بل فيه تفصيل، فإن كان المخلوق قادرًا على ذلك، فليس بشرك، كقوله: اسقني ماء لمن يستطيع ذلك. قال: «من دعاكم فأجيبوه»، وقال تعالى: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} [النساء: 8].
فإذا مد الفقير يده، وقال: ارزقني، أي: اعطني، فليس بشرك، كما قال تعالى: {فارزقوهم منه}، وأما أن دعا المخلوق بما لا يقدر عليه إلا الله، فإن دعوته شرك مخرج عن الملة.
مثال ذلك: أن تدعو إنسانًا أن ينزل الغيث معتقدًا أنه قادر على ذلك.
والمراد بقول الرسول: «من مات وهو يدعو من دون لله ندًّا» المراد الند في العبادة، أما الند في المسألة، ففيه التفصيل السابق.
ومع الأسف، ففي بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلانًا المقبور الذي بقى جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد لها، وهذا- والعياذ بالله- شرك أكبر مخرج من الملة، وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر والزنا واللواط، لأنه إقرار على كفر، وليس إقرارًا على فسوق فقط.
قوله: «دخل النار». أي: خالدًا، مع أن اللفظ لا يدل عليه، لأن دخل فعل، والفعل يدل على الإطلاق.
وأيضًا قال الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة: 72]، وإذا حرمت الجنة، لزم أن يكون خالدًا في النار أبدًا، فيجب أن نخاف من الشرك مادامت هذه عقوبته، فالمشرك خسر الآخرة، لأنه في النار خالد، وخسر الدنيا أيضًا، لأنه لم يستفد منها شيئًا، وقامت عليه الحجة، وجاءه النذير، ولكنه خسر- والعياذ بالله-، ما استفاد شيئًا من الدنيا، قال تعالى: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} [فاطر: 37]، وقال الله- عز وجل-: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره اقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير} [الحج: 11-13]، وقال تعالى: {قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} [الزمر: 15].
فخسر نفسه، لأنه لم يستفد منها شيئًا، وخسر أهله، لأنهم إن كانوا من المؤمنين فهم في الجنة، فلا يتمتع بهم في الآخرة، وإن كانوا في النار فكذلك، لأنه كلما دخلت أمة لعنت أختها، والشرك خفي جدًّا، فقد يكون في الإنسان وهو لا يشعر إلا بعد المحاسبة الدقيقة، ولهذا قال بعض السلف: (ما جاهدت نفسي على شيء ما جاهدتها على الإخلاص).
فالشرك أمره صعب جدًّا ليس بالهين، ولكن ييسر الله الإخلاص على العبد، وذلك بأن يجعله الله نصب عينيه، فيقصد بعمله وجه الله لا يقصد مدح الناس أو ذمهم أو ثناءهم عليه، فالناس لا ينفعونه أبدًا، حتى لو خرجوا معه لتشييع جنازته لم ينفعه إلا عمله، قال: «يخرج مع الميت أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان: أهله وماله، ويبقى عمله».
وكذلك أيضًا من المهم أن الإنسان لا يفرحه أن يقبل الناس قوله لأنه قوله، لكن يفرحه أن يقبل الناس قوله إذا رأى أنه الحق لأنه الحق، لا أنه قوله، وكذا لا يحزنه أن يرفض الناس قوله لأنه قوله، لأنه حينئذ يكون قد دعا لنفسه، لكن يحزنه أن يرفضوه لأنه الحق، وبهذا يتحقق الإخلاص.
فالإخلاص صعب جدًّا، إلا أن الإنسان إذا كان متجهًا إلى الله اتجاهًا صادقًا سليمًا على صراط مستقيم، فإن الله يعينه عليه، ويسره له.
ولمسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار».
قوله: (من). شرطية تفيد العموم، وفعل الشرط: (لقي)، وجوابه قوله: (دخل الجنة)، وهذا الدخول لا ينافي أن يعذب بقدر ذنوب إن كانت عليه ذنوب، لدلالة نصوص الوعيد على ذلك، وهذا إذا لم يغفر الله له، لأن داخل تحت المشيئة.
قوله: (لا يشرك). في محل نصب على الحال من فعل (لقي).
قوله: (شيئًا). نكرة في سياق الشرط، فيعم أي شرك حتى ولو أشرك مع الله أشرف الخلق، وهو الرسول دخل النار، فكيف بمن يجعل الرسول أعظم من الله، فيلجأ إليه عند الشدائد، ولا يلجأ إلى الله، بل ربما يلجأ إلى ما دون الرسول؟! وهناك من لا يبالي بالحلف بالله صادقًا أم كاذبًا، ولكن لا يحلف بقوميته إلا صادقًا، ولهذا اختلف فيمن لا يبالي بالحلف بالله، ولكنه لا يحلف بقوميته إلا صادقًا، ولهذا اختلف فيمن لا يبالي بالحلف بالله، ولكن لا يحلف بملته أو بما يعظمه إلا صادقًا، فلزمته يمين، هل يحلف بالله أو يحلف بهذا؟
فقيل: يحلف بالله ولو كذب، ولا يعان على الشرك، وهو الصحيح.
وقيل: يحلف بغير الله، لأن المقصود الوصول إلى بيان الحقيقة، وهو إذا كان كاذبًا لا يمكن أن يحلف، لكن نقول: إن كان صادقًا حلف ووقع في الشرك.
* مسألة: هل يلزم من دخول النار الخلود لمن أشرك؟
هذا بحسب الشرك، إن كان الشرك أصغر كما دلت عل ذلك النصوص، فإنه لا يلزم من ذلك الخلود في النار. وإن كان أكبر، فإنه يلزم منه الخلود في النار.
لكن لو حلمنا الحديث على الشرك الأكبر في الموضعين في قوله: «من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة»، وفي قوله: «ومن لقي الله يشرك به شيئًا دخل النار»، وقلنا: من لقي الله لا يشرك به شركًا أكبر دخل الجنة، وإن عذب قبل الدخول في النار بما يستحق، فيكون مآله إلى الجنة، ومن لقيه يشرك به شركًا أكبر دخل النار مخلدًا فيها لم نحتج إلى هذا التفصيل.
* فيه مسائل:
الأولى: الخوف من الشرك. الثانية: أن الرياء من الشرك. الثالثة: أنه من الشرك الأصغر.
فيه مسائل:
* الأولى: الخوف من الشرك. لقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}، ولقوله: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}.
* الثانية: أن الرياء من الشرك. لحديث: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، فسئل عنه فقال: (الرياء)، وقد سبق بيان أحكامه بالنسبة إلى إبطال العبادة.
* الثالثة: أنه من الشرك الأصغر، لأن النبي لما سئل عنه فقال: (الرياء)، فسماه شركًا أصغر، وهل يمكن أن يصل إلى الأكبر؟
ظاهر الحديث لا يمكن، لأنه قال: «الشرك الأصغر»، فسئل عنه، فقال: «الرياء».
لكن في عبارات ابن القيم رحمه الله أنه إذا ذكر الشرك الأصغر قال: كيسير الرياء، فهذا يدل على أن كثيره ليس من الأصغر، لكن إن أراد بالكمية، فنعم، لأنه لو كان يرائي في كل عمل لكان مشركًا شركًا أكبر لعدم وجود الإخلاص في عمل يعمله، أما إذا أراد الكيفية، فظاهر الحديث أنه أصغر مطلقًا.
الرابعة: أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين. الخامسة: قرب الجنة والنار. السادسة: الجمع بين قربهما في حديث واحد. السابعة: أنه من لقيه يشرك به شيئًا، دخل النار، ولو كان من أعبد الناس.
* الرابعة: أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين. وتؤخذ من قوله: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، ولأنه قد يدخل في قلب الإنسان من غير شعور لخفائه وتطلع النفس إليه، فإن كثيرًا من النفوس تحب أن تمدح بالتعبد لله.
* الخامسة: قرب الجنة والنار. لقوله: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا، دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا، دخل النار».
* السادسة: الجميع بين قربهما في حديث واحد. «من لقي الله لا يشرك به شيئًا....» الحديث.
* السابعة: أن من لقيه يشرك به شيئًا دخل النار، ولو كان من أعبد الناس. تؤخذ من العموم في قوله: «من لقي الله»، لأن: (من) للعموم، لكن إن كان شركه أكبر، لم يدخل الجنة وإن كان أعبد الناس، لقوله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} [المائدة: 72]، وإن كان أصغر، عذب بقدر ذنوبه ثم دخل الجنة.
الثامنة: المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام. التاسعة: اعتباره بحال الأكثر، لقوله: {رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس} [إبراهيم: 36]. العاشرة: فيه تفسير: (لا إله إلا الله) كما ذكره البخاري. الحادية عشرة: فضيلة من سلم من الشرك.
* الثامنة: المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام، تؤخذ من قوله تعالى: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}.
* التاسعة: اعتباره بحال الأكثر، لقوله: {رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس}. وفيه إشكال، إذ المؤلف يقول: بحال الأكثر، والآية: {كثيرًا من الناس}، وفرق بين كثير وأكثر، ولهذا قال تعالى في بني آدم: {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا} [الإسراء: 70]، فلم يقل على أكثر الخلق، ولا على الخلق، فالآدميون فضلوا على كثير ممن خلق الله، وليسوا أكرم الخلق على الله، ولكنه كرمهم.
* العاشرة: فيه تفسير لا إله إلا الله كما ذكره البخاري. الظاهر أنها تؤخذ من جميع الباب، لأن لا إله إلا الله فيها نفي وإثبات.
* الحادية عشرة: فضيلة من سلم من الشرك. لقوله: {ويغفر ما دون ذلك}، وقوله: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا، دخل الجنة».